Oleh : Dra. Hj. Arnisma Agus, M.Ag
Pembahasan Ilmu Balagah pada awalnya tanpa pembatasan dan pembedaan dan hal itu berlanjut sampai Abdul Qahir al-Jurjani muncul pada abad ke V hijrah. Sebelum menciptakan ilmu balagah dia terkenal dalam ilmu nahu (sintaksis) dan dikalangan mutaakhkhirin dia terkenal dalam ilmu balagah, karena dia menciptakan teori ilmu ma’ani dalam bukunya Dalailul I’jaz dan teori ilmu bayan serta sebagian bentuk badi’ dalam bukunya Asrarul Balagah. Dari kedua buku ini balagah mengambil bentuk baru dalam bidang kajian ilmiyah yang memuat ketentuan-ketentuan, kemudian tumbuh dan berkembang sampai sempurna seperti yang kita saksikan hari ini. Oleh karena itu mayoritas peneliti menganggap bahwa Abdul Qahir al-Jurani lah pencipta ilmu-ilmu balagah yang sebenarnya.
علم البلاغة في أول الأمر بلا تحديد ولا تمييز وظل الأمر كذلك حتى جاء عبد القاهر الجرجاني في
القرن الخامس الهجري . اشتهر في النحو من قبل أن يضع علم البلاغة واشتهر عند المتأخرين بالبلاغة لأنه وضع نظرية علم المعاني في كتابه ....
العلوم كالكائنات الحية تبدأ صغيرة ثم تنمو وتبلغ أشدها فعلوم البلاغة لم توجد كاملة كما نراها الآن، وإنما مرت بالأطوار التي يمر بها كل علم، تبدأ في أول نشأتها صغيرة ثم تنمو وتطور بين المراحل كمرحلة النقد والتأليف (محمد حسن،1967: 5)
وفي مرحلة النقد نجد أن في كل مجتمع شاعرا أو كاتبا أو خطيبا، يوجد من يستحسن الكلام، ومن يستهجنه، وقد يعبر عن هذا ما يسمى بالنقد وقد وجد هذا لسبب استهجانه، وهذا ما يسمى بالنقد، وقد وجد هذا مبكرا في الجاهلية، ووصلتنا روايات فيها نقد لطائفة من الشعراء. وقد كان العرب في الجاهلية يفدون إلى سوق عكاظ يتناشدون بالأشعار ويتحاكمون فيها إلى بعض شعرائهم، وكان النابغة الذبياني الشاعر المشهور أحد حكام العرب في عكاظ.
ولم يكن الإسلاميون أقل إدراكا لجيد الكلام من الجاهليين، رووا أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يقدم زهير بن أبي سلمى، وكان يعلل بأن زهيرا بن أبي سلمى ( كان لا يتبع الغريب الحوشي، ولا يمدح الرجل إلا بما هو فيه) فنرى أن سيدنا عمر حكم وعلل، فأحسن التعليل (محمد حسن،1967: 5)
أما في عهد بني أمية فقد كثر النقد، وكانت مجالس الخلفاء والأمراء ميدانا واسعا له ، ولا سيما مجلس الخليفة عبد الملك بن مروان. وفي أوئل العصر العباسي رأينا ألوانا من النقد، وكان الخلفاء والأمراء والأدباء ينقدون فيصيبون في كثير من الأحيان. ولا شك أن النقد والبلاغة يجريان في مضمار واحد، لأن موضوعهما واحد ، وهما بيان وجوه حسن الكلام وأسباب ردائه، وكثير من مسائل البلاغة بني على أصول وردت في النقد، ويحق لنا أن نقول: " إن الأصول البلاغية التي وضعت في عصر التدوين استفادت كثيرا من مسائل النقد التي سبقت ذلك العصر (محمد حسن،1967: 8). وبعد ذلك اتخذ التأليف في البلاعة صورا متعددة، منها الصورة الأدبية، وفي هذا الدور كان الحديث في البلاغة يجري في كتب التفسير أو كتب الأدب ، ككتاب " المجاز " لأبي عبيد معمر بن المثنى، والكتاب أقرب إلى التفسير منه إلى البلاعة. ولكن وردت فيه إشارات بلاغية لها أهميتها ومن ذلك حديثه عن ألم فكان بمعناه العام، وهو الانتقال في التعبير من وجه لآخر (محمد حسن،1967: 8). وكتاب " البيان والتبيين " لأبي عمرو عثمان بن بحر الجاحظ، وقد دعاه إلى تأليفه للدَفاع عن العرب، لذلك نجده يمتدح طرق العرب في التعبير، والكتاب غير مرتب، ولكن فيه لفتات خدمة البلاغة العربية من وجوه :كاستعمال الألفاظ والمصطلحات محققة إلى حد ما كالمجاز والبديع والسرقات الشعرية، والإشارات إلى قضية اللفظ والمعنى، هذه القضية لم تدوَّن قبله. ورد في الكتاب مسائل بلاغية حققت فيما بعد كمطابقة الكلام لمقتضى الحال، وكالإيجاز والاستعارة. وبالتالي اتخذت البلاغة صورة بلاغية أدبية (محمد حسن،1967: 9). وفي هذا الدور تتخذ شكلا علميا إلى حدٍّ ما، ولكنَّ الطابع الأدبي لا يزال يغلب عليها ، فالمؤلفون يكثرون من الشواهد ومن تحليلها والموازنة بينها. وخير ما نتمثل به لهذا الدور : كتاب " الصناعتين " لأيى هلال العسكري المتوفى سنة 395 هـ، وكان الغرض من الكتاب – كما يفهم عن عنوانه – تعليم الكتاب صناعة النثر والنظم، والمؤلف يقول في ختامه " على أن الكتاب يجمع من فنون ما يحتاج إليه صناعة الكلام ما لم يجمعه كتاب آخر. وكتابا عبد القاهر الجرجاني " دلائل الإعجاز " و " أسرار البلاغة " هما من خير ما ألف في علوم البلاغة ، وقد ضمن الأول أبحاثا كثيرة من مباحث العلم الذي أطلق عليه فيما بعد علم " المعاني " كالتقديم والتأخير والحذف والقصر والفصل والوصل .
أما أسرار البلاغة فقد ضمنت مباحث كثيرة من علم البيان، وبعض ألوان البديع، وتغلب على عبد القاهر المسحة الأدبية، وتحليل النصوص واستقصاء الحجج فيما يعرض له من آراء، ويمكن أن نقول إنه وضع في البلاغة ما يشبه القواعد. وجمهور الباحثين يعتبرون أنه هو الواضع الحقيقي لعلوم البلاغة واشتهر عند المتأخرين بالبلاغة لهذا تريد الكاتبة أن تبيَن نظرية عبد القاهر الجرجاني في علم البلاغة .
البلاغة قبل عبد القاهر
عرفنا من قبل أن البلاغة قد وجدت منذ العصر الجاهلي، كما وجدنا في شعر امرئ القيس (انظر إلى علي الجارم ومصطفي أمين، 1961 ) :
وليل كموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي
فهو يصور الليل بسواده وهمومه كأنه أمواج لا تنتهي، وفي هذا البيت نرى أن الشاعر يستعمل التشبيه في إلقاء كلامه .
وكذلك في عصر صدر الإسلام كان الناس قد استعملوا البلاغة في كلامهم حينما هاجر النبي ص م إلى المدينة فا ستقبله أهل المدينة. ومعهم النساء والصبيان فقلن :
طـلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
إنَ أهل المدينة يصوِّرون النبي ص م كأنه بدر، ولكنهم لا يصرَحون لفظ المشبه وهو النبي، واستعاروا لفظ المشبه به وهو البدر للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية .
وفي العصر العباسي الأول تتسع الملاحظات البلاغية (شوقي ضيف: 19). وقد أعدت لذلك أسباب مختلفة منها ما يعود إلى تطور النثر والشعر مع تطور الحياة العقلية والحضارة، عنيت إحداهما باللغة والشعر ، وعنيت الأخرى بالخطابة والمناظرة .
أما متى تطور الشعر والنثر عندنا فظهر إلى أن كثيرين من الفرس والموالي اتقنوا العربية وحذقوا فيها. نستطيع أن ننظر في النثر فسنراه يتطور تطورا رائعا، إذ نشأ فيه النثر العلمي ، واستوعب آثارا أجنبية نقلت إليه، ويكفي أن نذكر في هذا الصدد ابن المقفع المتوفى سنة 143 هـ، فقد ترجم عن الفارسية كتبا تاريخية مختلفة وأخرى أدبية وسياسة ، كما ترجم كليلة ودمنة وأجزاء من منطق أرسطو .
والشعراء يعنون عناية شديدة بالعربية، يروى عنهم الشعر القديم، فحياة تلك الحواضر تلتقي جميعا هذا اللقاء الحي المثمر الذي كان يتحوَّل فيه كل معنى قديم إلى صورة عباسية جديدة، ومن خير ما يصور ذلك قول بشار ما زالت أروى في بيت امرئ القيس :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدي وكرها العذاب والحشف البالي (أحمد الهاشمي، 1960 :192).
إذ شبه شيئين بشيئين حتى صنعت ((انظر إلى شوقي ضيف: 19) وكقوله :
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وهو إنما يريد مجرد تشبيه شيئين بشيئين . إذ التشبيهان مختلفان . وهذا دليل على أن الشاعر العباسي كان يحاول محاكاة الشاعر القادم في وسائله البلاغية من تشبيه وغير تشبيه مستعينا بفكره الدقيق ولطف مسالكه إلى المعاني والأخيلة .
كانت البلاغة منذ نشأتها الأولى مختلطة غير مستقرة أو محدودة (خلف الله ومحمد زغلول: ) وكان المجاز مثلا في أوائل القرن الثالث الهجري يتوسع في الاستعمال وأخذت في بحوث العلماء وأهل البيان. وفي القرن الخامس الهجري جاء عبد القاهر الجرجاني بنظريته البلاغية تكميلا لما قبله، ووضع نظرية علم المعاني في كتابه دلائل الإعجاز ونظرية علم البيان في كتابه أسرار البلاغة .
عبد القاهر الجرجاني
ليس بين أيدينا معلومات واضحة عن حياة عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (السبكي : ) . وكل ما نعرفه عنه أنه ولد بجرجان إحدى المدن المشهورة بين طبرستان وخراسان، وأنه كان فقيها شافعيا ومتكلما أشعريا .
وأنه لزم نزيل بلدته أبا الحسين محمد بن الحسن الفارسي، وكان يعدَ إمام النحاة بعد . فعكف على دروسه وأخذ عنه كل علمه. ولعل هذا هو الذي جعله يؤلف في النحو كتابه " العوامل المائة " غير أن شهرته إنما دوَت في الآفاق بكتابته البلاغة . ويقولون أنه ظل ببلدته لا يبرحها حتى توفي سنة 471 هـ .
وقال علي محمد حسن في كتابه " أسرار البيان " عبد القاهر الجرجاني هو الإمام الجليل أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن النحوي، المتكلم على مذهب الأشعري، الفقيه على مذهب الشَافعي التقي الوارع. وكانت شهرته بالنحو، فقد ألف فيه كتبا، منها شرح لـكتاب " الإيضاح "الذي ألفه أبو علي الفارسي وهو مبسوط يقع في ثلاثين مجلدا، واسمه " المغني " ثم لخصه في ثلاثة مجلدات ويسمى الملخص " المقتصد " وشهر عند المتأخرين بالبلاغة وقد اختلفت الآراء في سنة وفاته، فقيل 474هـ، وقال صاحب النجوم الزاهرة في حوادث 471 هـ، (وفيها توفي عبد القاعر بن عبد الرحمن أبو بكر الجرجاني النحوي اللغوي، شيخ العربية في زمانه، وكان إماما بارعا مفتنا، انتهت إليه رياسته للنحاة في زمانه ) (محمد حسن،1967: 1)
وقال الحافظ الذهبي في تاريخه " دول الإسلام " : وفي سنة 471 ه مات إمام النحاة أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني صاحب التصانيف (الذهبي: ).
وقال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى : عبد القاهر بن عبد الرحمن الشيخ الكبير أبو بكر الجرجاني النحو المتكلم على مذهب الأشعريالفقيه على مذهب الشَافعي . أخذ النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسين الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي، وصار الإمام المشهور من جميع الجهات مع الدين المتين ، والورع والسكون (محمد شاكر: 15)، وقال السلفي : كان ورعا قانعا، دخل عليه اللص وهو في الصلاة فأخذ ما وجد وعبد القاهر ينظر ولم يقطع صلاته .
وكتب أحمد الهاشمي في كتابه " جواهر البلاغة " وقد اختلف الآراء في سنة وفاته، فقيل سنة 374 ه . وقال صاحب النجوم الزاهرة في حوادث سنة 471 هـ : وفيها توفي عبد القاهر بن عبد الرحمن أبو بكر الجرجاني النحوي ، شيخ العربية في زمانه كان إماما بارعا مفتنا، انتهت إليه رياسة النحاة في زمانه (أحمد ألهاشمي: 50).
مكانة عبد القاهر الجرجاني في البلاغة
أولا : وضع عبد القاهر لنظرية المعاني
ولعبد القاهر مكانة كبيرة في تاريخ البلاغة، إذ استطاع أن يضع نظريتي علمي المعاني والبيان وضعا دقيقا، أما النظرية الأولى فخص بعرضها كتابه " دلائل الاعجتز" وأما النظرية الثانية فخصَّ بها بمباحثها كتابه " أسرار البلاعة "وينبغي أن نلاحظ منذ أول الأمر أن قسمة البلاغة إلى علوم ثلاثة هي المعاني والبيان والبديع لم تكن قد استقرت حتى عصر عبد القاهر (شوقي ضيف، 1965: 160).
ويتضح من ذلك أن عبد القاهر كان يرى أن علوم البلاغة علوم واحد، تتشعب مباحثه. وكتب شوقي ضيف في كتابه "البلاغة تطوَر وتاريخ " أن عبد القاهر هو أول من تنبَه إلى تعليل الإعجاز القرآني بتركيب الكلام وصياغته وخصائصها التعبيرية، والشواهد على ذلك كما قدمه شوقي ضيف في كتابه البلاغة تطوَر وتاريخ (شوقي ضيف، 1965: 16):
1 – كان عبد القاهر في مواطن كثيرة من الدلائل يبدئ ويعيد في إبطال أن يكون مردَ الفصاحة إلى اللفظ أو المعنى كما زعم الجبائي المعتزلي وإن كان لم يصرح باسمه. وبذلك نستطيع أن نفهم موقف عبد القاهر من مدلول كلمة الفصاحة في الكتاب، وإذن ففصاحة الألفاظ وبلاغتها لا ترجع إلى الألفاظ بشهادة الصفات التي توصف بها، وإنما ترجع إلى صورتها ومعرضها الذي تتجلى فيه .
2 – ويعقد عبد القاهر بعد ذلك فصولا يصور فيها نظريته في المعاني الإضافية، ويبدأ بالتقديم والتأخير لأجزاء الكلام، ويشير إلى ما قاله سيبويه من أنهم يقدمون المفعول على الفاعل أحيانا إذا كان بيانه أهمَّ وكانوا بشأنه أعنى ، ويلاحظ هذا أن النحويين لا يتغلغلون إلى معرفة دقائق الكلام، سواء في التقديم أو في التأخير أو في الحذف والتكرار، أو في الإظهار والإضمار، أو في الفصل والوصل أو في غير ذلك من صور العبارات. فإن التقديم والتأخير في الكلام البليغ عند عبد القاهر ترتيب معاني الكلام الإضافية في نفس صاحبها .
3 – ويعرض أمثلة كثيرة لصياغات مختلفة مع همزة الاستفهام ، تارة يليها فيها الفعل وتارة يليها الاسم، مبينا ما بينها من دقائق بلاغية، وذلك إذا سألت شاعرا : أ أنت قلت هذا الشعر ؟ مقدم الضمير على الفعل كان الشك في قائل الشعر أو هو المخاطب أو غيره. أما الشعر فلا شك فيه . وإذا سألته :
أ قلت هذا الشعر ؟ كان الشك في الفعل نفسه وهل نظم الشعر حقا أو لم ينظمه. فالتقديم والتأخير لا يأتيان للاهتمام أو العناية. وإنما يأتيان لتحرير المعاني وضبطها .
4 – وينتقل إلى الحذف. ويبدأ عند تعيينه وقيام القرينة ملاحظا أن حذفه حينئذ يكون أفصح من ذكره، وأن ذلك يكثر في الشعر حين يذكر الشاعر شخصا ويقدم بعض أمره، ثم ينقطع ويستأنف الكلام كقول الشعراء :
سأشكر عمرا إن تراخت منيتي
أيادي لم تمنن وإن هي جلت
فتى غير محبوب الغنى عن صديقه
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
ويقول إن النفس تحس في مثل هذا بحذف أنس، وفي الوقت نفسه قد تستثقل الذكر حتى كأنما تريد أن تتوقاه وتتحاماه. ويمضى فيفصل القول في حذف المفعول قائلا : إنه يحذف حين يريد المتكلم إثبات الفعل للفاعل أو نفيه عنه على الإطلاق دون ملاحظة تخصيصه بمن وقع عليه كالآية الكريمة : قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وهذا النوع من الحذف على لونين : لون يراد فيه أصل الفعل كالآية من غير أي إشارة إلى شيء آخر .
5 – ويقارن عبد القاهر بين قولك " زيد المنطلق " وقولك " المنطلق زيد" ويلاحظ أن العبارة الثانية أقوى في القصر. وذلك أن المنطلق فيها أعم، إذ الألف واللام فيها لاستغراق الجنس، بخلاف المنطلق في العبارة الأولى. ويتحدث هنا أن المسند إليه إذا كان اسم موصول، ويقول إنه يأتي كثيرا إذا كان المخاطب لا يعرف من أحوال المسند إليه غير الصلة كقولك " الذي كان ينشد الشعر قادم "
6 – وبالتالي ينتقل إلى الفصل والوصل، وينوه بأهميتهما في البلاغة. وهو يبدأ ببيان فائدة العطف في المفرد وأنه يعود إلى إشراك الثاني في إعراب الأول وحكمه. ثم يأخذ في درس الجمل المتعاطفة قائلا: " إن الأولى إذا كان لها موضع في الإعراب كان حكمها حكم المفرد. ومثلها الثاني، وإذن فالواو ضرورية، لأن الجملتين تجريان مجرى عطف المفرد على المفرد. أما إذالم يكن للأولى محل في الإعراب فإن المسالة تشبه مشكلة حين نريد أن نعرف متى نصل بالواو، ومتى نفصل، على أنه ينبغي أن نعرف أننا لا نعطف جملة على جملة إلا إذا كان بينهما مناسبة. ويقول عبد القاهر إنك تقطع وتفصل حين تكون الجملة الثانية بيانا أو تأكيدا للأولى كالآية : " ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " .
ثانيا : وضع عبد القاهر لنظرية البيان
على نحوما وضع عبد القاهر نظرية المعاني وضع أيضا نظرية البيان لأول مرة في تاريخ العربية. وحقا أن كل الفصول التي بحث عنها قد بحث عنها من سبقه إليها من البلاغيين بالبحث. ولكنهم لم يحرروها ولم يبحثوا عن دقائقها على نحو ما بحثها وحررها عبد القاهر في كتابه " أسرار البلاغة " فقد ميز أقسامها وفروعها وحلل أمثلتها تحليلا بارعا في النحو أربعمائة صحيفة. والذي دفعه إلى ذلك أنه رأى في مقدمة الكتاب ينوه بالبيان مقدما لذلك بالآية القرآنية: " الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان " ويقول إن فضيلة البيان لا تعود إلى اللفظ من حيث اللفظ، وإنما تعود إلى النظم وترتيب الكلام فوق ترتيب معانيه في النفس. وهو استهلال لمباحثه في الكتاب وإنه سيحاول بيان الفروق الدقيقة في التركيب، غير أنه لا يتسع بهذه الفروق على نحو ما اتسع بها في الدلائل، إذ حصرها في الصورة البيانية وفي لونين من ألوان البديع (السجع والجناس) طالما سابقوه إلى أن جمالهما حسي لفظي. وتدل مباحثه فيها وفي الصور البيانية جميعا أنه صنف هذا الكتاب بعد الدلائل .
ويعرض عبد القاهر لبعض أمثلة الاستعارة مبينا على أن جمالها إنما يرجع قبل كل شىء إلى حسن الصياغة والتأليف. ويعقب على كل ما تقدَم بقوله :
"واعلم أن غرضي في هذا الكلام الذي ابتدأته والأساس الذي وضعته أن أتوصل إلى بيان المعاني كيف تختلف وتتفق ومن أين تجتمع وتفترق، وأفصل أجناسها وأنواعها
ويقف وقفة قصيرة عند التشبيه والاستعارة والتمثيل، ويقول إنه كان ينبغي أن يبدأ بجملة من القول في الحقيقة والمجاز، ثم يتبع ذلك القول في التشبيه والتمثيل، ثم يتحدث بعد ذلك عن الاستعارة، وذلك لأن المجاز أعم من الاستعارة، والواجب أن يبدأ بالعام قبل الخاص، والتشبيه كأصل في الاستعارة وهي فرع له. وعبد القاهر بذلك يضع لمن يؤلفون في البيان رسوم التأليف فيه والمنهج الذي ينبغي أن يتبع.
ويفصل عبد القاهر القول في الجامع بين طرفي الاستعارة، فيلاحظ أنه إما أن يكون جنسا شاملا لهما كاستعارة الطيران للعدو الشديد، فإن الجامع بينهما السرعة في قطع المسافة. وإما أن يكون صفة مشتركة في جنسين مختلفتين كالشجاعة في الأسد والإنسان. ويقول إن أجمل صور الاستعارة ما كان الجامع فيها عقليا، وهو يأتي على ثلاث صور: إحداها أن يؤخذ الشبه من الأشياء المشاهدة المحسوسة لمثلها على شاكلة قول الرسول ص م :" إياكم وخضراء الدمن" فقد استعيرت خضراء الدمن للمرأة الجميلة تنبت منابت السوء بجامع حسن الظاهر في رأى العين مع فساد الباطن. ويقرن هذه الصورة إلى صور من التشبيه الحسي وجه الشبه فيها عقلي. والصورة الثالثة: أن يؤخذ الشبه من المعقول للمعقول كاستعارة الموت للجهل والعدم للوجود. وينتقل إلى التشبيه والتمثيل, ويلاحظ أن التشبيه على ضربين: ضرب عادي لا يحتاج إلى تأويل كتشبيه الخدود بالورد والشعر بالليل وبعض الفواكه بالعسل وبعض الأقمشة بالحرير. وضرب غير عادي وهو الذي يفتقر إلى شيىء من التأويل كتشبيه الحجة في الظهور والوضوح بالشمس. ويتفاوت هذا الضرب تفاوتا شديدا، إذ منه ما يقرب مأخذه مثل قولهم :" الألفاظ كالماء في السلاسة " يريدون أنها سلسلة لا تكاد اللسان تكون كالماء السائع في الحلق، ومنه ما يفتقر إلى فضل من فطنه وتأمل كقول بعضهم وقد سئل عن بني الملهب: " هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها " يريد أنهم متسائلون في النيل والجود والشجاعة. ويقول إن التشبيه عام والتمثيل أخص منه، فكل تمثيل تشبيه وليس كل تشبيه تمثيل، وينشد أبياتا تحمل تشبيهات مركبة، ولكن وجه الشبه فيها حسي من مثل قول ابن المعتز :
وأرى الثريا في السماء كأنها قدم تبدت من ثياب حداد
ويؤخذ من مجموع كلامه هنا أن التمثيل يختص بالتشبيهات المركبة التي يكون فيها وجه الشبه عقليا منتزعا من عدة أمور يجمع بعضها إلى بعض، ثم يشستخرج من مجموعها كالآية الكريمة : " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " فإن وجه الشبه هذا حرمان الانتفاع بشيء نفيس مع التعب والعناء في استصحابه .
وبالتالي يعمد عبد القاهر إلى بيان فرق دقيق بين التشبيه التمثيلي والتشبيه العادي، ذلك أنك في تشبيه المفردات تستطيع أن تعكس التشبيه للمبالغة، فتجعل المشبه مشبها به، والمشبه به مشبها كتشبيه النجوم بالمصابيح والورود بالخدود، والصباح بوجه الممدوح إلى غير ذلك .
ويقول عبد القاهر أنك لا تستطيع أن تعكس التشبيه أو تقلبه إذا لم يقصد فيه إلى ضرب من المبالغة .
ويبحث عبد القاهر عن الفرق بين الاستعارة والتمثيل ويلاحظ أن الاستعارة ينقل فيها اللفظ عن أصل وضعه اللغوي، وأنها تقوم على التشبيه المقصود به المبالغة كما يلاحظ أن التشبيه يدخل في الحقيقة، أما الاستعارة فتدخل في المجاز. ويتحدث عبد القاهر عما سماه تناسي التشبيه في الاستعارة أو ما سماه البلاغيون بعده باسم الترشيح، وهو قرن الاستعارة بالأوصاف التي تلازم المستعار منه حتى يصبح المستعار له كأنه نفس المستعار منه، ويعرض ذلك في صور مختلفة منها قول أبي تمام في رثاء خليد بن يزيد الشيباني:
ويصعد حتى يظن الجهول بأنه حاجة في السماء
فقد استعار الصعود لعلو المنزلة والارتقاء في مدارج الكمال، وبنى على ذلك صعودا حقيقيا، إذ جعله من طريق المكان في مراقي السماء، ومن الصور التي يتسع فيها الترشيح وادعاه تناسي التشبيه صورة التعجب في قول ابن العميد :
قامت تظللني من الشمس نفس أعز على من نفسي
قامت تظللني ومن عجب شمس تظللني من الشمس
وينتقل عبد القاهر إلى البحث عن حد الحقيقة والمجاز، ويبدأ بحدهما في المفرد، فيقول إن الحقيقة : كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع وقوعها لا تستند فيه إلى غيره. ويقول إن في هذا ما يدل دلالة واضحة على أن قوانين هذا العلم عقلية عامة، وربما كان من أسباب إقناعه بذلك أنه رأى قوانين أرسطو البلاغية في كتابه " الخطابة " قوانين عامة يمكن تطبقها على العربية وغير العربية، ويعرف المجاز في المفرد بأنه " كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها للملاحظة بين الثاني والأول. ويقول إنه يريد بالملاحظة العلاقة المنعقدة بين الكلمة في أصل معناها وما نقلت إليه كا لشجاعة في الأسد .
الخلاصة
واتضح من كل ما سبق أن عبد القاهر الجرجاني استطاع في الدلائل أن يفسر نظرية النظم تفسيرا ردها إلى المعاني الثانية، أو كما قدمت سابقا إلى المعاني الإضافية التي تلتمس في ترتيب الكلام حسب مضامينه ودلالته في النفس، وهي معان ترجع إلى الإسناد وخصائص مختلفة في المسند إليه والمسند، وفي أضرب الخبر وفي متعلقات الفعل وفي الفصل بين الجمل والوصل، وفي القصر وفي الإيجاز والإطناب، وهي نفسها أبواب ألف منها من خلفوه علم المعاني، فالحق أنه ابتكر هذه النظرية، نظرية نشأ عنها فيما بعد علم مستقل من علوم البلاغة وهو علم المعاني الذي ابتكر عبد القاهر أصوله وصور فصوله تصويرا دقيقا. وإذا كان قد فاته فرع أو شعبة كبعض شعب بعض الإنشاء فحكم أنه كان مبتدئا في وضع نظريته. ومن جاءوا بعده أضافوا إليها إضافات فإن كتابته فيها ظلت المنارة الهادية بأضوائها الكثيرة .
وواضح أيضا أن عبد القاهر استطاع فيه أن يضع نظرية البيان العربي وحقا لم يتوسع في البحث عن الاستعارة التمثيلية والمثل، إذ راى أهما صورتان من صور التمثيل. وأيضا أنه أهمل الحديث في الكناية بهذا الكتاب وكأنه اكتفى بما تحدث عنها في ( الدلائل ). وقد لاحظ بعض الشعب هنا أو هناك لم يستقص فيها الحديث. ولكن من الحق أنه وضع قوانين المعاني لأول مرة في العربية وضعا دقيقا، كما وضع أيضا قوانين البيان لأول مرة. وإذا كان قد شغل في" الدلائل" ببيان خواص الصيغ الذاتية، فقد كان همه في " الأسرار" أن يكشف عن دقائق الصور البيانية بنظرات نفسية وذوقية جمالية .
استطاع عبد القاهر وضع القوانين لنظرتي المعاني والبيان أن يجعل منهما بنيتين حسيتين، تخلوان خلوا تاما من جفاف النظريات وقواعد العلوم، كأنهما روضان مونقان بالنضر والضياء، وواضح أنه لم يحاول وضع نظرية في علم البديع، وإن كان فصل القول في أسرار البلاغة عن الجناس والسجع، ولكنه لم يحاول على وضع نظرية عامة له .
المراجع
أحمد جمال العمرى، المباحث البلاغية في قضية الإعجاز القرآني"، نشأتها ونطوّرها حتى القرن السّابع الهجري، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة
أحمد خليل، المدخل إلى دراسة البلاغة العربية، بيروت : دار النهضة العربية، 1968 م .
أحمد مصطفي المراغي، علوم البلاغة العربية، مكّة المكرّمة : دار إحياء التراث الإسلامي ، الطبعة العاشرة، 1992 م .
الأزهر الزنّاد، دروس البلاغة العربية نحو رؤية جديدة ، بيروت : المركز الثقافي العربي ، الطبعة الأولى سبتمبر 1992 م
بكري شيخ أمين، البلاغة العربية في ثوبها الجديد، بيروت: دار العلم للملايين ، الطبعة الخامسة ، أكتوبر، 1999 م
عبد الفتاح لاشين، البديع في ضوء أساليب القرآن، القاهرة: دار المعارف، الطبعة الأولى، 1979 م
علي محمد حسن، أسرار البيان، القاهرة : مكتبة الجامعة الأزهرية، 1967 م
شوقي ضيف، البلاغة تطوّر وتاريخ، القاهرة : دار المعارف، الطبعة الثانية 1965 م .
السلام عليكم ورحمة الله
BalasHapusأعجبني الموضوع الخاص بك، لأنني ادرس موضوع البلاغة في معهد العلوم العربية والإسلامية في جاكرتا.
أتمنى أن نتواصل علميا او الاشتراك في ورقة بحثية
مع الشكر الجزيل للرد
د. خالد خميس فراج